الاثنين، 17 يونيو 2013

الوهابية والشيعة والأشاعرة والاباضية.... كلهم سلفيون..

الوهابية والشيعة والأشاعرة والاباضية.... كلهم سلفيون..
مادفعني إلى كتابة هذا المقال وكذلك المقال الذي قبله والمعنون : لماذا التخصص في الفقه المقارن وليس أصول الفقه والعقيدة؟ هو التأكيد على ما يجمع صف الأمة والحث على الابتعاد عن النبش  فيما يخالفها .
سأبدأ أولا بتعريف السلفية لغة واصطلاحا وباختصار حتى أؤكد على ما عنونت به المقال وهو أن كل تلك الطوئف تعتبر بالمعنى اللغوي والاصطلاحي للكلمة سلفية.
فالسلفية في اللغة هي من السلف .والسلف هو كل من تقدم من الآباء والأقرباء .
وذكر الزمخشري في أساس البلاغة : أن سلف القوم: تقدموا سلوفاً، وهم سلف لمن وراءهم، وهم سلاف العسكر. وكان ذلك في الأمم السالفة والقرون السوالف. وضم إلى سالف نعمته آنفها. وامرأة حسنة السالفة والسالفتين وهما جانبا العنق. قال ذو الرمة:ومية أحسن الثقلين جيداً ... وسالفةً وأحسنه قذالا
وذكر محمد بن عبد الله بن مالك في كتابه : إكمال الأعلام بتثليث الكلام ، بأن السلف :الجراب الضخم ، ومصدر سلف القوم : تقدمهم  .
أما السلفية اصطلاحا :فهي الالتزام بماجاء في الكتاب والسنة وما ثبت عن الصحابة والتابعين في القرون الأولى المزكاة ، والصحابة المقصودون هم الذين وصفهم ابن مسعود - رضي الله عنه - بقوله : من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أَبَرَّ الناس قلوبًا، وأغزرهم علماً، وأقلّهم تكلّفًا.( جامع بيان العلم وفضله  لأبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي ، ص 419 )،
وبالتالي فإن السلفية بهذا المعنى يجب ان لا تستأثر بها طائفة عن الاخرى  ، مادامت كل طائفة تقول بأن ما لديها اخذته من أفواه الصحابة والتابعين ،  فكل اشياخ هؤلاء الطوائف وإن امتلكوا عقلا راجحا وفهما نقيا صادقا ، فقد يخالفهم من يملك نفس الصفات فيما اخذوا به ، دون أن يمرق من دائرة الاصطلاح السلفي
وعليه  فيجب أن تحمل كل طائفة اسمها الذي يناسبها ، فمثلا من اقتدوا بما اخذ به محمد عبد الوهاب من السف يسموا وهابيين ومن اخذوا من الربيع بن حبيب يسموا أباظيين ومن أخذوا من أبوا الحسن الاشعري يسموا أشعريين ، ومن يرون بأن حب آل البيت هو الميزان لأعمال المسلمين يسمون شيعة. مادام الجميع يستطل تحت راية الشهادة أن لاإله إلاالله وأن محمدا رسول الله فمن شهد بهذه الجملة ونطق بها ، وآمن وطبق ما جاء بأركان الإسلام الخمسة كان سلفيا وبالتالي فتتم مناقشته لإقناعه بالعدول عن رأيه الصائب والأخذ بالرأي الأصوب الذي يدعي من يناقشه أنه هو مايدعوه إليه ، لامن باب التخطيء ، ناهيك عن التكفير والتبديع ، فخلاف الأمة في الفروع رحمة ، وكل ماعدى هذا فهو يعد فرعا قابلا للتأويل والاختلاف ولهذا وجد ما عرف بالاجتهاد .
فالغرور أو الترف الديني الذي قاد المسلمين إلى الاختلاف الإيجابي خاصة في القرنين الخامس والسادس الهجري والذي تطور لاحقا إلى اختلاف سلبي عندما بدأ يعرف استخدام مصطلحات مقيتة كالتكفير والتخطيء والتقول الزائف بين المذاهب كان بالإمكان تداركه عند بداية ظهوره  خاصة لما عرف عن تلك العصور من قامات علمية ، لولا أن تلك القامات وللأسف الشديد بسبب ترفها الديني بعد أن سبقها الأولون في تدوين الفقه وأصوله ، أصبحت تبحث عن ما تؤلف فيه فوجدت ذلك الاختلاف مجالا خصبا لتناوله فكانت كل فئة تدعي لنفسها الأفضلية والأسبقية وتحاول التنقيص من الطوائف الأخرى حتى حدا بكل طائفة أن تعتبر نفسها هي الفرقة الناجية التي ذكرها سيد الوجود عليه أفضل الصلاة والسلام في الحديث الشريف (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)
وللتدليل على سلبية الخلاف وخطورته على وحدة الأمة لعل ذلك يكون عبرة لنا فيما قد يؤدي إليه الخلاف القائم على التعصب لا على الحجة والبرهان فقط. دون الوقوف عند أي الفريقين أرجح وأصوب في موقفه . فإنني لن اتناول خلافا بين طائفتين مسلمتين كلاهما تكفر الاخرى منذ النشأة ، وإنما سأتناول وبشكل مختصر جدا  أنموذجا لخلاف بين طائفتين تعتبر كل واحدة منهما الأخرى سنية ، حيث يعد هذا الخلاف من أهم الخلافات السنية التي لازالت مجتمعاتنا المعاصرة حتى الآن تعاني منها ، وقد اخترت هاتين الطائفتين لأنهما الأقرب إلى بعضهما .
فقد عد الخلاف السني الذي وقع بين الحنابلة والأشاعرة من شتى المذاهب في القرنين الخامس والسادس الهجري من أكثر الخلافات التي مزقت لحمة الأمة والأشاعرة يقصد بهم جماعة قلدت أبوا الحسن الأشعري المتوفي سنة 324أو 333هـ ، الذي ذكر بعض المؤرخين بأنه كان على مذهب أحمد بن حنبل في جزء من رؤيته لمسألة الصفات الإلهية بينما خالفه في جزء أخر منها حيث أثبت الصفات الخبرية الواردة في القرآن الكريم و السنة النبوية ، ونفى قيام الأفعال الاختيارية بذات الله تعالى.
وقد استطاع أبو الحسن الأشعري جلب الكثير من الأتباع من شتى المذاهب بسبب وسطيته وعدم غلوه في مسألة الصفات التي كانت هي أكثر ما سبب الخلاف بين المسلمين وتفريقهم إلى طوائف ، وتكفير بعضهم لبعض كما هو الحال بين الحنابلة والأباضية  وإن اعتبر بعض الحنابلة هذا التوسط هو توسط بين الحق والباطل ،  مما تسبب في عدم رس مذهب الأشاعرة على شاطئ الصواب من وجهة نظرهم.
 إلا ان الاختلاف بين الحنابلة والأشعريين ظل خلافا إيجابيا استفادت منه الأمة عنندما كان يعتمد على المجالس والنقاشات العلمية في المجالس بالمساجد وعلى المؤلفات التي تؤيد حجة هذا الطرف وتدحض حجة الطرف الآخر ، ومن الأمثلة على تلك المؤلفات كتاب أبو بكر بن فورك الأصبهاني الأشعري في تأويل صفات الله تعالى ، - و معنى التأويل هنا هو صرف المعنى الظاهري للفظ ، إلى معنى آخر مرجوح - و ردّ عليه القاضي أبو يعلى الفراء الحنبلي في كتاب سماه : إبطال التأويلات لأخبار الصفات ، أثبت فيه الصفات التي أوّلها ابن فورك ، و زاد عليها كثيرا ، فاتهمه الأشاعرة بتجسيم الله تعالى و تشبيهه بمخلوقاته ، وأمثلة هذا النوع من المؤلفات كثير.
ولم يكن الاختلاف فقط في العقيدة بل تجاوز إلى الفقه ومن أمثلة ذلك عندما اعترض الحنابلة على الشافعية والمالكية الأشاعرة قراءتهم لدعاء القنوت في صلاة الصبح ، و ترجيعهم للأذان ، و جهرهم بالبسملة في الصلاة ، فانقسمت العامة بين مؤيد و مخالف لهم ، ثم انحازت كل طائفة إلى الطرف الذي مالت إليه حتى وصل ببعض الحنابلة إلى الذهاب إلى أحد مساجد الشافعية ، و نهوا إمامه عن الجهر بالبسملة ، فأخرج مصحفا و قال لهم : أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها .
 ثم تطور الاختلاف ليتحول من خلاف إيجابي إلى  خلاف سلبي حين وصل الأمر إلى درجة الاستهزاء والتكفير والاقتتال فقد كان الحنابلة يتهمون الأشاعرة بالنفاق من خلال التمويه على الناس ، و إخفاء عنهم مقالتهم في صفات الله و كلامه ، فإذا خاطبهم من له هيبة و حشمة من أهل الأثر ، قالوا له : الاعتقاد ما تقولونه ، و إنما نتعلّم الكلام لمناظرة الخصوم .حتى قال عنهم العلامة الجليل الموفق بن قدامة المقدسي إنهم يُخفون مقالتهم في القرآن الكريم ، من إنه ليس كلام الله حقيقة ، و إنما هو عبارة عنه ، فإنهم لا يتجاسرون على إظهارها ولا التصريح بها إلا في الخلوات و لو إنهم ولاة الأمر و أرباب الدولة ، و إذا حكيت عنهم مقالتهم التي يعتقدونها ، كرهوا ذلك و إنكروه و كابروه ، و لا يتظاهرون إلا بتعظيم القرآن ،و تبجيل المصاحف، و القيام لها عند رؤيتها ، و في الخلوات يقولون : ما فيها إلا الورق و المداد ،و أي شيء فيها ؟ . (انظر بن قدامة : مناظرة في القرآن ، ص: 58 ) رغم عدم الوقوف على ما يدل على ذلك ، سواء في الخلوة او في غيرها ، فالأشعرية كسائر المسلمين يضعون المصحف الموضع الذي جعله القرآن فيه بقوله تعالى : (لايمسه إلا المطهرون) وهذا موجود في كتب فقهم .كما أن موقف الشيخ العلامة ابن قدامة يعد من باب مخالفة ماوصى به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أبي موسى الاشعري في رسالة القضاء حيث يقول فيها : .....فإن الله عز و جل تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان.
إلا أنه للإنصاف  فالأشاعرة أيضا ليسوا بريئين من النفخ في موقد نار تلك الفتنة وإن لم يكن بالقوة والسيف كما كان يفعل الحنابلة فقد كان بالكلام والتقول حيث نقل عنهم بأنهم أرسلوا رسالة إلى الوزير نظام الملك بخراسان ضمنوها الكثير من الكذب والتزييف على الحنابلة ووصفهم بأمور الردة والكفر حيث ذكر بعض الحنابلة ومنهم أبو الوفاء بن عقيل بأن بعض الأشاعرة كان يتعمد الكذب عليهم ، نكاية فيهم و انتصارا لمذهبهم .
وظل هذا الاختلاف يتطور من مرحلة إلى مرحلة أخطر حتى وصل الأمر إلى انتهاك حرمات بيوت الله تعالى حيث نقل أن عيسى بن عبد الله الغزنوي الشافعي ، دخل بغداد ووعظ بجامع المنصور و أظهر مذهب الأشعري، فمال إليه بعض الحاضرين ،و اعترض عليه الحنابلة ، فنشب عراك بين الجماعتين داخل المسجد.
و أما اللعن فهو أيضا كانت سوقه رائجة بين الحنابلة و الأشاعرة ، ضمن النزاع المذهبي القائم بينهما ، فمن ذلك إن الحسين بن أمامة المالكي قال إنه سمع أباه يلعن المتكلم أبا ذر الهروي الأشعري  بقوله : لعن الله أبا ذر الهروي ، فإنه أول من أدخل الكلام إلى الحرم -أي المكي- ،و أول من بثه في المغاربة ( انظر درء التعارض لابن تيمية ، ج 2 ص 101 )
ولم يكن خلاف الحنابلة مقتصرا على مذهب دون آخر فقد نقل تعصبهم على الفقيه أبو الحسن برهان الدين علي بن الحسن البلخي الحنفي ، شيخ الحنفية ببلده ، قدم دمشق سنة 510هـ ، و عقد بها مجلس وعظ و تذكير ، و أظهر فيه خلافه للحنابلة و تكلم فيهم ، فتصدوا له و تعصبوا عليه ، فترك دمشق و توجه إلى مكة المكرمة .
ولم يسلم المذهب الظاهري من الاكتواء بنار ذلك الخلاف ،فمما رواه ابن حزم الظاهري ، من أن أحد الأشاعرة بمصر ، كان ينكر تكلم الله تعالى بالقرآن ، و يلعن من يقول ذلك ألف لعنة . ثم وصف الطائفة التي تقول ذلك بأنها الطائفة الملعونة. ثم عقّب عليه ابن حزم بقوله : إن من يقول ذلك ، عليه ألف ألف لعنة تترى .
 و تُعد هذه الفتنة كما ذكرت سابقا من أخطر ما تجلّت فيه الأزمة العقيدية التي عصفت بالمذهب السني .حيث أنه منذ تلك اللحظة عرف المجتمعين الكثير من الحقد و الكراهية فيما بينهم ، دون أن تظهر محاولات جادة لوضع حد نهائي لها ، مما زاد في اتساع نطاقها و اشتداد حدتها . لتصل إلى يومنا الحاضر وإن كانت تحت مسميات جديدة الوهابية والأشعريون والبدعيون والتكفيريون والقبوريون .والمتشددون .... الخ .فلازال الحنابلة بتشددهم مع غيرهم وإن أصبحوا يعرفون في الوقت الحاضر بتسمية الوهابيين ، وذلك بنشر التشدد وعدم القبول إلا بما سطرته أنامل من يقتدوا بهم في حين كان الأولى بهم ماداموا ادعوا السلفية بأن يحذوا حذو الصحابة الذين كانوا يتراجعون عن أقوال لهم بعدما يجدوا بأن الصواب في رأي غيرهم ، وما أكثر الأمثلة على ذلك . واستخدامهم للعنف الجسدي اتجاه من يخالفهم وإرغامه على القبول بمعتقدهم بالقوة ، وهذا امتدادا لما عرفوا به منذ بداية هذا الخلاف بين الحنابلة والأشاعرة حيث نقل أحد المؤرخين إن مدرسا أشعريا جلس ذات يوم بجامع المنصور ببغداد ، سنة 461هـ ، فشرع في التعريض بأهل السنة من الحنابلة ، و أشار إلى فضل أبي الحسن الأشعري و من وافقه ، فقام إليه بعضهم ، و أنزله من على الكرسي ، لكنه عاد إليه ، فقاموا إليه ثانية ،و كسروا كرسيه ،و عوّضوه برجل منهم.
إلا ان الأشعريين ايضا يؤخذ عليهم الكثير مما يوصف بالتساهل في أمور العقيدة حتى أن البعض وصفه بالتهاون في أمور الدين ، وعدم تغيير المنكر، بل حتى انه يبدوا للمرء كما لوأنهم يؤيدون ذلك المنكر ويزكونه .
وسيظل هذا الخلاف قائما إلى يوم القيامة لأن الاختلاف سنة الحياة ، إلا أنه يجب أن لايفوت الجميع بأن الأمة هي أحوج إلى التوحد في وقتها الحاضر ، والقبول بالأقرب ولو إلى حين على الأقل ، حتى تتمكن الأمة من مواجهة المخاطر المحدقة بها وبأوطانها وبمبادئها . فكفاها أن إلإيمان بإله واحد وبرسول واحد يجمعها ، ولتدرك كل الطوائف الدينية بأنه لا الرحمة ولاالعذاب بيدها ، ولاهي من تحددهما ، ومادام الله تبارك وتعالى خاطب رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهو أفضل خلقه عندما بالغ في الدعاء على قتلة حفظة القرآن ، فقال جل من قائل مخاطبا له : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ.(سورة آل عمران ، الآية 128) .فعلى من لايمثلوا قدر دانق من مرتبة رسول الله عند ربه أن يتركوا التصرف والتصنيف للخلق والناس لرب الخلق والناس .


الدكتور :( ولد بتار) الشيخ محمد المختار الطلبه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق