الخميس، 6 يونيو 2013

لماذا التخصص في الفقه المقارن؟ ولس علم أصول الفقه أو العقيدة

لماذا التخصص في الفقه المقارن؟ ولس علم أصول الفقه أو العقيدة
عندما قررت أن أسجل بالدراسات العليا كنت مصرا على ان أكمل الجانب القانوني الذي درسته بالجامعة لمدة 4 سنوات وتعلمت من خلاله اكثر من 18 مادة قانونية و 6 مواد سياسية أن أكمل ذلك الجانب بالدارسة الشرعية خاصة أن النصوص الشرعية   من المفنر ض أن تكون هي الوجه الأخر للقانون في الدول الإسلامية أي بمعنى أدق هي قانون تلك الدول . وعند استفساري من كلية الدراسات العليا عن التخصص الذي يسمح لي التسجيل به بناء على شهادة المتريز الموجودة عندي ذكر مسجل الكلية بأن التخصصين اللذين يمكنني الاختيار بينهما تخصص أصول الفقه ، وتخصص الفقه المقارن ، عندها بدأت المرحلة الأولى من دراساتي العليا وتمثلت في الدراسة الذاتية ، حيث بدأت القراءة عن التخصصين المعنيين للوقوف على اهتماماتهما العلمية ، حتى يتسنى لي الاختيار بما بتناسب مع طموحاتي الأكاديمية ، واستمرت مدة الدراسة الذاتية تقريبا 5 اشهر انتهت في الأخير إلى قناعتي بدراسة الفقه المقارن ، حيث وجدت أن هذا التخصص يستحق التعمق فيه أكثر من أي تخصصات أخرى مثل  أصول الفقه او العقيدة أو أي تخصصات أخرى ، ليس بسبب أهميته أكثر من تلك التخصصات ، ولا من عدم جدوائية دراسة تلك التخصصات ، وإنما لأن هذا التخصص حسب وجهة نظري يفتح لك آفاقا جديدة للتعرف على ما بيد الأخرين من أسانيد وأدلة وما يعتمدون عليه في عباداتهم ومعاملاتهم ، بغض النظر عن اتفاقك  أو اختلافك معهم ودون أن يقودك ذلك إلى إنكاره أو الطعن فيه لأن ذلك ليس مطلوبا منك ، لا أكاديميا ولا عقديا ، ولا مذهبيا . وقبل أن أسترسل في شرح مبررات هذه المنفيات أود أن أعطي تلخيصا لتعريف هذه المصطلحات وهي : أصول الفقه والعقيدة والفقه المقارن. دون التطرق إلى مدارسها ومللها وطوائفها .ولا من ألف فيها أولا ولا الأسباب التي أدت إلى الاهتمام بها ، بل سأحاول قدر المستطاع تبسيط ذلك التعريف حتى يتمكن القارئ غير المتخصص في فهم معناه .
1-   علم أصول الفقه : معني بالتوصل إلى الفقه بالدين ومعرفة الحلال من الحرام بطريق يطمئن إليها العالم ويقتنع بها طالب العلم.
2-   علم العقيدة: معني  بمعرفة ما يتعلق بالأمور الغيبية وما ينتج عنها من الآثار الحسنة ، كالأسماء والصفات... الخ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نحن -معاشر الأنبياء- أولاد علات، ديننا واحد )، وأولاد العلات هم الذين أبوهم واحد وأمهاتهم شتى،
3-   علم الفقه المقارن : اولا كلمة التقارن في اللغة توحي بشيء من التشاكل، والموازنة، والبحث عن الأرجح ، أما علم الفقه المقارن فيعني : المقارنة بين مذهب الشافعي و مالك و أبي حنيفة و أحمد وأمثالهم من الفقهاء والأئمة، وهذه المذاهب لا يجوز أن يجزم أن أحدها أرجح من الآخر على الإطلاق، لأن المسائل التي اختلفوا فيها قد اختلف فيها الأئمة قبل هؤلاء الأربعة.
أما لماذا تعلم الفقه المقارن بالذات والتخصص فيه وتفضيليه على التخصصين الأخرين فإن ذلك يعود إلى مجموعة من الأسباب ، ولكن قبل ذلك أعود وأؤكد أن ما أقوله هنا لاعلاقة له بتفضيل هذا العلم على تلك العلوم من الناحية الشرعية ، أو الطعن في مواقف أولئك المتخصصين في تلك العلوم ، وإنما لأوضح طريقة سهلة لاستعلال النزر القليل من الوقت الذي أصبحت تسمح به المتغيرات الزمنية والأعباء اليومية للفرد لتعلم شيء مفيد.
أولا : فمن خلال تعريف أصول الفقه فإن من بين أهم ما اعتبر الفقهاء ضرورة لتعلمه هو تأكيد المتعلم على حجية الأجتهادات الفقهية التي أخذ بها إمام مذهبه في  استنباط الأحكام الفقهية ، والذي قد يؤدي به هو نفسه إلى ان يجتهد بناء على ما يرى بانه أو صله إليه علمه من خلال تخصصه في هذا العلم ، وقد يخالف إمامه نفسه. وبالتالي فإن المجتهد الجديد لن يكون ذا إضافة فعلية تستفيد منها الأمة بقدر ما أضاف إلى تلك الاقوال قولا جديدا أو إلى معتنقي ذلك المذهب منافحا جديدا . في حين أنه يكفي للمرء المسلم أن يقلد إماما عالما عارفا كما قال الشيخ خليل : في مسالة القبلة. دون الحاجة إلى معرفة أدلته وبراهينه ، وأن يستغل ذلك الوقت في القراءة عن المذاهب الاخرى بما يعرف بالفقه المقارن .
ثانيا : من خلال تعريف العقيدة ، وتتبع ما أدى إليه التعمق في مقاصدها ومعانيها ، نجد بأن أكثر الاختلافات التي عانت منها الامة الإسلامية جاءت بسبب أولئك المهتمين بهذا الجانب حتى وصل الأمر من كل طائفة عقدية إلى تكفير بقية الطوائف العقدية الأخرى وتبديعها. وكما قلت في مسألة تعلم أصول الفقه بأن مجرد الثقة في الإمام أو العالم تكفي لاتباعه ، فأصل الدين الذي هو العقيدة متفق عليه بين أنبياء الله كلهم متقدمهم ومتأخرهم، وأما الشرائع والفروع فيحصل بينها اختلاف بحسب المناسبات قال تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا (سورة المائدة 48)  والمشكلة أن وكل طائفة عقدية تستدل بالآيات القرآنية ، وترد عليها الطائفة الأخرى بأنه حتى لو تم الاستدلال بالقرآن  ، فإن ذلك الاستدلال على غير مدلوله .فمثلا تعتبر رؤية الله في الآخرة من أكثر الاختلافات بين بعض الطوائف العقدية حيث أن من يرون بأن الله سوف يراه المسلمون يوم القيامة ، من ضمن الأدلة التي يحتجون بها الآية الكريمة (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) إلا أن طائفة عقدية اخرى ترى بأن هذه الآية لاتدل على الرؤية ، لأن الوجه لايرى وإنما العين هي التي ترى ، ويدللون على ذلك بقوله تعالى ( والفلك تجري بأعينا ) وعليه فستظل كلمة على غير مدلوله  دائرة إلى يوم القيامة مما ينتج عن الاختلاف جدلا عقيما لن يؤدي إلا إلى مزيد من التشرذم والاختلاف في الأمة في حين كان يكفي كل أولئك الامتثال بما جاء في رسالة القرآن الكريم ، وحث عليه حامل تلك الرسالة سيد الوجود عليه أفضل الصلاة والسلام حين قال : أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها.(متفق عليه).
ثالثا : من خلال تعريف الفقه المقارن : نجد بأن تعريفه الإصطلاحي هو المقارنة بين المذاهب الأربعة وأمثلتهم من الفقهاء والمذاهب ، وأجعل خطا تحت كلمة وأمثلتهم ، فمن الذي له الحق في تحديد أمثلتهم من الفقهاء والمذاهب ، وهذا هو دور القارئ لأصول الفقه والعقيدة ، وكما ذكرت سابقا ، فلا أرى بأنه في عصرنا الحالي بحاجة إلى من يقرر ذلك ، لأنه لن يأتي بجديد وإنما سيزداد قول أحد الطرفين بواحد كما قال الشيخ محمد الحسن ولد الددو ، بينما المتخصص في الفقه المقارن ، فإنه يطلب منه أكاديميا أن يأتي بجميع أقوال تلك المذاهب وأي مذاهب أخرى في مسألة ما دون تحيز لهذا الطرف أو ذلك ، وهذا ما يولد لديه علما بأدلة كل تلك المذاهب وماقيل في تلك المسألة ، وهنا يستفيد ، وليس مطلوبا منه أن يرجح أحد الأطراف وإن كان لايوجد ما يمنع ذلك . كما انه يضفي على روحه مسحة من الاعتدال تجاه كل الطوائف ، وينبذ التشدد والتعصب الأعمى ، خاصة إذا كان كل اولئك متفقون على أن دليلهم وحجتهم مسنودة للقرآن وسنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام مع اختلاف التأويل والفهم ، والمجتهد قد يصيب وقد يخطئ لقوله صلى الله عليه وسلم "فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا؟، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا حكم الحاكم، فاجتهد، فأصاب; فله أجران، وإن أخطأ; فله أجر واحد. أخرجه: البخاري في (الاعتصام, باب أجر الحاكم إذا اجتهد, 4/372), ومسلم في (الأقضية, باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد, 3/1342); عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وقد قال الإمام مالك رحمه الله تعالى : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه و سلم ،
وحتى لايقول قائل لي كما قال أحد العلماء في مناظرة مع عالم آخر عندما عقب على الشيخ ابن تيمية فقال له : ومن نحن حتى نعقب على ابن تيمية ، وإن كان العالم الآخر : أجابه ومن هو ابن تيمية حتى يعقب على الأئمة الأربعة ويخالفهم في بعض أحكامهم ، فإنني أعود وأقول بأن ما  كتبته هنا ليس تقليلا من تعلم علم أصول الفقه أو العقيدة بل احث على تعلمهما وتعلم العلوم الأخرى كاللغة العربية وعلومها ، وإنما الذي أقصده هنا رد على سؤال قد يطرح وهو من كان لديه وقت قليل ففي أي العلوم أنفع له؟ ، فوجدت بأنه من خلال تجربتي وبحثي في هذا الموضوع لي الحق في إسداء ما أعتبره نصيحة وهو الحث على اختيار علم الفقه المقارن.


الدكتور (ولد بتار) الشيخ محمد المختار الطلبه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق