الأربعاء، 14 مايو 2014

الدميقراطيات العرجاء.. حظ اميس كمبس

العنوان : الديمقراطيات العرجاء.. حظ (امَيسَِ كٍمبٍس)
الانتخابات ليست هدفا بحد ذاتها ، كما أنها ليست بالضرورة هي الأسلوب الذي يعبر عن وجود ديمقراطية حقيقية في بلد ما ، وإن كانت مظهرا من مظاهر تداول السلطة، ينعكس من خلالها التوجه العام لأغلب الشعب سواء كان على المستوى الإجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، إلا أنه وبسبب الظروف المحيطة بالمجتمعات التي لازالت في طور تلمس طريقها الديمقراطي يغفر للديمقراطية  إن تعثرت وترنحت في خطاها ، فشكلت بذالك خطوطا عرجاء على هوامش أطرافها. تتجلى في انتخابات قد تكون نزيهة في صناديقها ولكنها زائفة في حقيقتها ، فيما يمكن أن نطلق عليه الديمقراطية العرجاء وذلك بسبب ظروف خارجة عن إرادتها تتمثل في اللاوعي الذي يكتنف من جعلت أمرها بيدهم وهم الناخبون. بحيث سيتم انتخاب الحاكم أيا كان حتى لو كان(امًيسً كِمبِِس)( لمن لا يعرف اميس كمبس هو مصطلح يطلق للدلالة على عدم أهمية من يكون)
هذه هي ديمقراطية أغلب الشعوب التي لم تسق من دمائها شلالات الحرية التي تدفقت في بلدان أخرى لتشكل أنهرا وبحارا في مجتمعات كانت أشد طغيانا وجبروتا من ما تعيشه شعوبنا نحن ، لتنبثق من تلك الأنهار والبحار مفاهيم جديدة غذتها تطلعات شعوب تواقة إلى الحرية ، نتجت عنها ديمقراطيات راسخة .
أما وأن الوضع هو هكذا، فإن على شعوب الديمقراطيات العرجاء أن ترضى بالقليل ، والذي لا اقل من أن يتمثل في اللحمة الوطنية والديمقراطية التشاركية والعدالة الإجتماعية،وإقامة بنى تحتية كفيلة بأن تسمح لأي استثمار في مستقبل الوطن أن ينجح ومن ضمن تلك الديمقراطيات ما يمكن أن نطلق عليه مجازا انتخابات شعب اللاوعي والتي يعيش المجتمع الموريتاني في هذه الأيام جزءا من أصدائها المتمثل في الانتخابات الرئاسية التي على الأبواب. والتي سيكون شوطها الأول في 21-6-2014م.
إن ما يجب على من سينجح في تلك الإنتخابات مهما يكون هو التركيز على النقاط الأربع التي ذكرتها سالفا وهي :
1-               اللحمة الوطنية
2-               الديمقراطية التشاركية
3-               العدالة الإجتماعية
4-               البنى التحتية
هذه العناوين طبعا هي عناوين كبيرة وتحتاج إلى بحث أطول وأعمق ولكن بما أن تناولها سيكون من خلال مقال فإنني سأحاول فقط وضع بعض نقاطها على الحروف.
أولا : اللحمة الوطنية :
اللحمة الوطنية تختلف عن الوحدة الوطنية ، لأنها اكثر تماسكا وإيمانا بالوطن، فالوحدة هي قشرة الوطنية كونها انعكاس لظاهر مجتمع ما، ولكن ليس بالضرورة هي الواقع الفعلي لذلك المجتمع ، بحيث أنه في أول اختبار لها يتبين زيفها ، أما اللحمة فهي لب الوطنية ، لأنها تنعكس على الفرد في جميع تفكيره وتصرفاته،مما يتولد عنه مجتمع حضاري صادق مع ذاته ، مخلص في أفعاله، مسؤول في أقواله.
 فمن يقول بأن هناك لحمة وطنية في البلد هو يكابر ، لأنه لا يمكن ان تكون هناك لحمة وطنية ينتج عنها تفاهم وثقة بين افراد شعب لايفهم بعضه الآخر ، فما كانت سببه الأجيال السابقة يجب أن لا يمتد إلى باقي الأجيال ، فطريقة التعليم التي كانت متبعة في الحقب السابقة ، بتنفيذ برنامج التعليم على المستويين العربي والفرنسي ، فرخت أجيالا متعاركة فيما بينها فكريا مما انعكس على الجانب الاجتماعي حيث كان التعليم العربي خاصا بالبيظان بينما التعليم الفرنسي خاصا بلكور ، مما تسبب في إرغام الطفل على اختيار أصدقائه من فئة معينة ، حتى اصبح تواجد أحد الطرفين بين أفراد الطرف الأخر مسبة وينظر إليه بعين الريبة.
ولكي يتم التغلب على هذه المعضلة فإن ذلك لن يتأتى إلا بجعل إحدى اللغات الوطنية او اللغة العربية أو الفرنسية هي اللغة الموحدة لكل فئات المجتمع من خلال التعليم أولا ، وثانيا من خلال لغة العمل. حيث أن بقاء الحال على ما عليه والمتمثل في تشبث كل طرف بالتعلم بلغة معينة ، ولاحقا اعتماده نفس اللغة للتحدث، إما مجبرا بسبب جهله باللغة الأخرى أو تعصبا لها، هو الخطر الداهم الذي يهدد اللحمة الوطنية ، لأن دور الدولة هو تبني كل ما من شأنه أن يؤدي إلى المصلحة العامة حتى ولو كان بقوة الإجبار ، خاصة أن موريتانيا على غير ما هو حاصل في الدول المجاورة سواء العربية منها أو الإفريقية هي الوحيدة التي تعتمد لغتين في المراسلات الرسمية ، وفي جميع الدوائر الحكومية ، رغم أن الدول الأخرى لديها من الأعراق ما هو أكثر اختلافا من ما هو موجود في موريتانيا. وحتى لايظل الأمر على ماهو عليه بادعاء كل طرف بأنه الأحق في تبني لهجته أو لغة تعليمه ، فإن الدستور الذي صوت عليه غالبية الموريتانيين كان صريحا في تحديد اللغة التي يجب أن تكون اللغة الرسمية للبلد ، إلا أن اعتماد تلك اللغة يجب أن يصاحبه اهتمام فعلي باللهجات المحلية الأخرى من خلال توجه إعلامي جاد يتمخض عنه افتتاح تلفزيونات تتحدث بتلك اللهجات وتبث على مدار الساعة، لتوصل إلى المواطن الموريتاني الذي يتحدث تلك اللهجات كل ما هو متعلق بوطنه سواء كان سياسيا أو اجتماعيا او اقتصاديا ، من أجل القضاء على ظاهرة اعتماد تلك القوميات على التلفزيونات المجاورة والتي بطبيعة الحال لن تتحدث إلا بما يتعلق بموروثها الخاص بها.
ثانيا : الديمقراطية التشاركية :
 إن مشكلة التجاذبات السياسية في البلد ستظل قائمة ما دام لم يفطن سياسيو هذا البلد إلى مسألة مهمة وهي أنه لايمكن تنفيذ ديمقراطية حقيقية في الديمقراطيات العرجاء والتي من  ضمنها نحن ، إلا من خلال تدرج يبدأ بديمقراطية تشاركية يتم الوصول إليها من خلال تمييز إيجابي على أساس سياسي يسمح فيه للأحزاب المعارضة بالتنافس على نصف مقاعد البرلمان - كما حدث من تمييز يراه البعض بأنه إيجابي للنساء في الإنتخابات الأخيرة ،والذي بالمناسبة أنا ضده ، لأنه ينتهك حق المواطن في اختيار جنس من يمثله ، خاصة انه لم يكن من داع لذلك كأن يكون مثلا لايوجد رجال أكفاء لشغل تلك المناصب، وإنما كان الافضل أن يتم ترشيحهن على اساس الكفاءة ويترك للمواطن حق الاختيار بينهن وسواهن من الرجال- وهذا التمييز الإيجابي الحزبي هو ما سيضمن معارضة حقيقية تكون مراقبا قويا على تصرفات الحكومة ، وحتى تكون الدولة قوية بمن فاز ومن خسر، خاصة وأن هناك رغبة من المعارضة الحالية في مشاركة النظام الحاكم من خلال حكومة توافقية ، وإن كان قد استوقفني أن من يقود هذا التوجه هو نفسه  الذي كان رئيس وزراء في زمن سيدي الاستاذ يحي ولد الواقف وكان يرفض هذه الحكومة التشاركية ، وإن كنت أؤيده على ذلك الرفض كما أؤيد الحكومة الحالية أو المستقبلية ، لأنه في النهاية من سيكون مسؤولا عن أي إخفاقات هو الرئيس وبالتالي فليس من المعقول أن يضع برنامجه التنموي رهينة بيد معارضيه ، فإذا نجحت كان النجاح للمعارضة مما سينعكس إيجابا على حظوظها الإنتخابية في المستقبل ، وإذا فشلت حمل الرئيس أوزار ذلك الفشل.
 ثالثا : العدالة الإجتماعية :
لاشك أن هناك بعض فئات المجتمع عانت بعض المظالم في الحقب الماضية ، لكن يجب أن لايتم تحميل بعض فئات المجتمع تلك الأخطاء ، وإنما يجب المضي قدما وتجاوز الماضي بكل سلبياته والبحث في المستقبل عن ما يشكل حجر عثرة في طريق عودة ذلك النوع من الممارسات ، خاصة أن القوانين قد كفلت ذلك ، وبالتالي فإن ما يجب على الرئيس القادم هو عدم الوقوف كثيرا عند المطالبات الفئوية لأنها لن تنتهي ابدا ، وعليه أن يركز كل اهتمامه على المجتمع بشكل عام فيوفر له لقمة عيش كريمة ، وإن كنا نعترف للحكومة الحالية بالفضل في استطاعتها توفير وظائف كثيرة خلال فترة قصيرة ، إلا أنه لازال ينقص الكثير، فما زال العاطلون عن العمل كثيرون ، ومن بينهم حملة الشهادات ، والذين أطالب باعتماد راتب لكل خريج منهم حاليا أو في المستقبل ، كأن يستمر مثلا في استلام مبلغ المنحة الدراسية الذي كان يستلمه أثناء دراسته الجامعية ، ولو من شباك آخر كصندوق الضمان الإجتماعي مثلا، لحين تسلمه لوظيفة تغنيه عنه ، حيث أن هذا الأسلوب زيادة على كونه سيكون عاملا مهما في الحث على الاستمرار في الدارسة فإنه سوف يكون أيضا متنفسا لذلك الشخص في مرحلة عمرية هو بأشد الحاجة إلى ما يعينه عليها.
رابعا : البنى التحتية :
لا يمكن لأي نهضة أن تقوم دون بنى تحتية حقيقية ، وبالتالي فتلك البنى هي اهم حتى من توفير لقمة العيش ، فالرزق مضمون، كما أن كل الدول التي شهدت ثورات نهضوية أول ما بدأت به هو توفير بنى تحتية ملائمة للإستثمار ، كما أن هذه البنى التحتية هي ما سيبقى للأجيال المستقبلية ، وهي ما تعبر حقيقة عن الإنجازات التي سيتركها هذا النظام أوذاك ، ولذلك فإن مهندس نهضة ماليزيا الحديثة السيد مهاتير محمد ، لازال ولحد الساعة رغم اعتزاله المعترك السياسي يحظى باحترام كل الشعب الماليزي لأنهم يرون بأنه خلال فترة قصيرة استطاع أن يقفز بالبلد إلى مصاف الدول المتطورة ، مما دفع بالدول الصناعية إلى إطلاق إسم النمور الآسيوية على ماليزيا وبقية الدول الآسيوية الأخرى التي شهدت ثورات تنموية في زمن قياسي.