الخميس، 24 أبريل 2014

أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر السياسة

العنوان : أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر السياسة
إن أممية التنظيمات الدينية قد لاتكون عائقا لدى بعض الوطنيين في قبول التعامل مع تلك التنظيمات حتى وإن كانوا يدركون بأن الأخ التنظيمي لأولئك هو أقرب وأعز من الأخ الوطني ، لأن هذه النزعة الدينية تقابلها النزعة القومية في الأحزاب اليسارية، إلا أن ما تختلف فيه تلك التنظيمات الدينية هو انصهارها في بوتقة تفكير الشخص الواحد، وتقديس أوامره ونواهيه بغض النظر فيما إن كانت تلك المواقف قد تتعارض مع توجهات بقية النخب الأخرى في الوطن وتطلعات الجزء الآخر من الشعب الذي لا يدين بالولاء لذلك التنظيم. ومن هنا جاءت فكرة الدكتاتورية الدينية (الدولة=التنظيم) بحيث لم يعد هناك فرق بين أسس هذه الثنائية الدكتاتورية التي تغلف نظام الحكم في هذه الأحزاب مع تمأسس الثنائية الشهيرة في الدكتاتوريات الحزبية (الحزب=الدولة)
لقد فهمت التنظيمات الإسلامية باكرا ان أقرب الطرق التي توصل إلى العاطفة الإنسانية هي توفير سبل العيش الكريم للبطن الجائع ، وهذا مبدأ قرآني،وهو عمل خيٍِر يذكر لهم ويشكرون عليه ، لكن المشكلة تقع عند ما يحاولون استغلال ذلك المعروف في السيطرة على بقية أجزاء المجتمع الأخرى التي لا ترى لهم تلك الأفضلية ، فينقلبون من عمل الخير لوجه الله إلى مخالطة الغير فيه .
ولنأخذ حزب تواصل في موريتانيا نموذجا ، حيث أن هذا الحزب سار على منوال سابقيه بانتهاجه للعمل الخيري كمطية للوصول إلى السلطة وذلك بافتتاحه لبعض المشاريع الخيرية في عدة أماكن من الوطن وإن كان تركيزه منصبا على أما كن محددة من الوطن ، مستغلا بعض المآخذ السياسية لدى ساكنة تلك المناطق على التوجه الذي سلكته بعض الأنظمة التي حكمت البلد سابقا ، ولم تكن جمعية المستقبل إلا أداة من تلك الأدوات . والدولة لم تكتشف نوايا تلك المؤسسات الخيرية عند إغلاقها ، وإنما لم يكن خافيا عليها الدور الذي تريد ان تلعبه في المستقبل إلا أنها كانت تخشى أن توصم من أغلبية الشعب الموريتاني بأنها مناع للخير، لكن وكعادة الإسلاميين في استعجالهم لحصاد النتائج قبل نضوجها وفرت للدولة فرصة للإنقضاض على تلك المؤسسات بحجة خروجها عن ما تنص عليه اتفاقية تأسيسها.
ولأن العمل الخيري لهؤلاء ينقلب من كونه يقصد به الجزاء الأخروي إلى مخالطته بالبحث عن المصلحة الدنيوية والتي كلما اشتد عود هذا التنظيم الديني أو ذاك ، أصبحت الأولوية للأخير وتغلبت المصلحة الدنيوية على المصلحة الأخروية ، فإنك تجد أشد ما يزعج هؤلاء هو محاولة طرف آخر خارج عن منظومتهم الحزبية أو المحسوبة عليه، انتهاج نفس الأسلوب في محاولة غزو الشارع وترك بصمة له في المجال الخيري أو الدعوي، ومنازعتهم في لقمة عيشهم كما يقال، فما بالك إذا كان ذلك الطرف هو الدولة ، مع فارق القوة والتجهيزات حيث بإمكانها وخلال ساعات تقديم ما قدمه ذلك الحزب ومن يدعمه خلال سنوات. وهذا ما كان يزعج تواصل في توجه رئيس الجمهورية من خلال أمره بطباعة المصحف الشريف وبناء جامع كبير ، وتقريب العلماء الغير منضوين تحت راية الحزب ، والجميع يتذكر هجوم نائب رئيس حزب تواصل محمد غلام على العلماء الذين ترشحوا في حزب الفضيلة للنيابيات ، او الذين أعلنوا دعمهم للنظام الحاكم في تلك الإنتخابات . إلا أن ما افاض كأس تواصل من التوجه الديني للنظام هو افتتاحه لقناة المحظرة ، حيث أن من يوصفون بالإسلاميين يعرفون قيمة الإعلام المرئي وأهميته في ترسيم توجهات الرأي العام ،والذي كان يظن بأنه قد حاز السبق فيه بل واحتكاره من خلال قناة المرابطون ، فبمجرد افتتاح تلك القنوات جن جنون أولئك وخرجوا في مظاهرات فوضوية في نفس اليوم الذي تم افتتاح فيه المحظرة من قبل السيد الرئيس، في محاولة يائسة منهم للتغطية على الإنجاز التاريخي الذي تحقق لأول مرة من خلال نظام سياسي حاكم للبلد ، إلا أن ما لم يتوقعه أولئك في ثورة طيشهم تلك هو أن السحر قد ينقلب على صاحبه.
وهذا الصدام بين الأحزاب الدينية هو نفسه الذي شهدته تركيا بين فتح الله غولدن وحزب العدالة والتنمية التركي في الأشهر الماضية إلا أن الفارق في هذه المسألة هوأن الحزب الديني هو الدولة، فعندما نجح فتح الله غولدن في تأسيس إمبراطوريته التعليمية والتي انتقلت مع الوقت إلى مجالات أخرى كان شعاره الذي استطاع من خلاله الإبقاء على هذه الإمبراطورية سواء أثناء الحكم العسكري أو بداية الحكم الديني لتركيا، وتمدد تلك الإمبراطوية لتشمل أغلب أصقاع المعمورة بما فيها موريتانيا ممثلة في المدرسة التركية كان شعاره هو ( أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر السياسة) وعندما حاد عن هذا الشعار وحاول أن يستثمر توغل خريجي مدارسه في شتى المجالات الوظيفية في تركيا ، بدأ الصدام مع مؤسسة الدولة ، وبدأت بعد الإنتخابات الاخيرة في محاولة تفكيك تلك الإمبراطوية وتفريغها من قوتها الإقتصادية التي تؤثر بها على الرأي العام ، والسبب لأن ذلك العمل الخيري والدعوي لم يعد يعمل في إطار التوجه السياسي لحزب العدالة والتنمية.


الدكتور : ول بتار0الشيخ محمد المختار الطلبه
www.welbottar@gmail.com