الخميس، 9 يناير 2014

دمقرطة العسكر
يعرف القانونيون الحق بأنه الرابطة القانونية التي بمقتضاها يخول لشخص على سبيل الانفراد والاستئثار التسلط على شيء او اقتضاء أداء معين من آخر ، ويقسمون الحقوق إلى سياسية ومدنية، والحقوق المدنية إما عامة وهي الحقوق اللازمة للفرد كحماية شخصه وكفالة حريته ، وإما خاصة وهي حقوق الاسرة والحقوق المالية ، أما الحقوق العامة فهي موضوع القانون العام ، ومن امثلتها الحريات أو الرخص العامة كحرية التنقل وحرية الاجتماع وحرية الرأي وحرية العقيدة وحرية المسكن ، وهذه كلها مصالح فردية تدخل في معنى المصطلح العام المعروف بالحريات الفردية.
والمصالح المعتبرة في القانون هي حفظ النفس وحفظ المال وحفظ العقل وحفظ النسل ، وهي تتفق مع ما يحث عليه الفقه الإسلامي من ضرورة حفظ لهذه الحقوق ، إلا أن الفقه الإسلامي يزيد على القانون باعتباره حفظ الدين من المصالح العامة ، وبالتالي فإن تعريف الحق في الشريعة الإسلامية هو مصلحة يحميها الشرع ، بينما في القانون ، الحق هو مصلحة يحميها القانون، وما يجمع الإثنين وهو أنهما اتفقا على حفظ وصيانة تلك المصالح التي تترجم في القانون والشريعة إلى حريات ، ومن هنا وجدت طريقها للقبول من قبل العالمين الوضعي والشرعي، فنصت عليها كل المواثيق والإعلانات الدولية ومن أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص على أن الحريات الفردية مكفولة لكل شخص بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه.. أو أي شيء آخر ، كما نصت كل الدساتير الوطنية والتي هي أب القوانين على حماية تلك الحريات ، بمافيها الدستور الموريتاني ، ومع كل ذلك فإنه ظلت تلك الحريات منتهكة على مستوى العالم كله بما فيه الدول التي تعد هي عرافة تلك الحريات ، وإن كانت في هذه الأخيرة على مستوى أقل  من ما هو معروف في بعض دول العالم الثالث ، وستظل هذه الحريات عرضة للإنتهاك إلى أن يعرف ذلك الجزء المظلم من العالم ما يسمى بدمقرطة العسكر.
قد يقول قائل بأن هذا مناف للمنطق لأن العسكرية إنما تقوم على مبدإ واحد وهو نفذ ثم راجع ، حتى إذا لم يعجبك القرار الصادر إليك ، وهذا هو قمة الدكتاتورية وإن كانت مغلفة بحق حفظ المصلحة العامة  بينما الديمقراطية نقيض ذلك ، وإن كان كلاهما يبحث عن حفظ المصلحة العامة ، وهذه الجدلية ليست هي الموضوع الذي أريد ان أناقشه في هذا المقال الموجز ، لأن ما أقصده هنا ليست الديمقراطية كممارسة ، وإنما الذي أعنيه هو الديمقراطية كتعلم وتعليم ، بحيث توضع ضمن مناهج التعليم في المدارس والكليات العسكرية ، خاصة لمن هم يعتبرون النخبة العسكرية واتلي تطلق في المصطلح العسكري على رتبة ضابط فما فوق ، إذا لم يكن بالإمكان أن تعم كل العاملين بالسلك العسكري ، فيدون ثقافة ديمقراطية في السلك العسكري تكون قائمة على أسس تعليمية جيدة تدوم سنوات عديدة ، لايمكن للديمقراطية كممارسة أن ترى النور في أي مجتمع ، حتى ولو كان العسكر هو من سمح بظهور تلك الديمقراطة ،اللهم إلا إذا كانت بطريقة البرق ، تظهر ثم تختفي بسرعة ، كما حدثت في مجموعة من الدول بما فيها موريتانيا . لأن المشكلة هو انعدام تلك الثقافة الديمقراطية في الأفراد العسكريين بشكل واسع ومتسع ، وكلنا رأينا النموذج الموريتاني والمالي ، فرغم ان كبار الضباط في مالي كانوا يؤمنون بالديمقراطية فإن الإنقلاب حدث من قبل ضباط اعلاهم رتبة هو نقيب .
فيجب أن يكون كل خريج عسكري متشبع عند تخرجه من ثقافة الديمقراطية فيعرف الإيجابيات التي ستترتب عنها عند ممارستها في المجتمع الذي هو جزء منه ، مما سينعكس إيجابا على مستقبل أبنائه في جو تملاه الحرية والمساواة ، وما ينجم عنهما من تطور وازدهار ، كما أنه سيكون يعلم البديل عن تلك الديمقراطية ، ليس فقط الآثار السلبية التي تترتب عن حكم الفرد على مجتمعه ومستقبل أبنائه ، أيا كان ذلك الفرد ،فأفضل الخلائق صلى الله عليه وسلم ، استشار أصحابه ، وأمره ربه بذلك ، قال تعالى :( وشاوهم في الأمر ) وإنما سيكون أيضا ملما بما ستؤول إليه حياته في المستقبل ، إن عاجلا أو آجلا إذا زار أي دولة ، بسبب الطفرة التي حدثت في القوانين الدولية ، حيث أصبح منذ عام 2000، يحق للدول أن تمارس اختصاصها القضائي وفق القانون الدولي ضد كل الأشخاص المشتبه فيهم بارتكاب جرائم خطيرة والموجودين على ترابها بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة اوجنسية الجاني او المجني عليهم وهذا الأمر هو ما أصبح يعرف بمبدا الاختصاص القضائي العالمي ، واهميته تكمن في أنه سيحد من الانتهاكات الحقوقية نظرا إلى تضييق الخناق على من يرتكب تلك الإنتهاكات بحيث اصبح بوسع كل دولة أن تحاكم أي متهم بتلك الإنتهاكات سواء كان ماارتكبه من جرائم وقع في نفس الدولة أو في أي دولة اخرى ، وسواء كان من تضرر من تلك الإنتهاكات تعود جنسيته لنفس الدولة أو أي دولة اخرى ، ومن الأمثلة على تطبيق ذلك الاختصاص القضائي ، رفع قضية ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون من قبل بعض الفلسطينيين في لندن ، وضد حسين حبري في تشاد .

وإلى ان يتم اعتماد تدريس الديقراطية كثقافة في المناهج العسكرية أرجوا أن يكون هذا المقال مدخلا لأولئك العسكريين لعلهم يدركون المخاطر المحدقة بأوطانهم بسبب انقلاباتهم ، وعلى شخصهم بسبب أفعالهم التي تنتهك الحقوق والحريات لافراد مجتمعاتهم .